مفهوم المقاربة الموضوعاتية



 د. عاشور فني

هذه سلسلة من المقالات في موضوعات الخطاب وتحليله من وجهة النظر ما بعد الكولونيالية من منطلق نقد الخطاب ما بعد الكولونيالي وبالاستناد إلى النقد الموضوعاتي مع توظيف مفهوم وجهة النظر.


 مفهوم المقاربة الموضوعاتية
نشأت المقاربة الموضوعاتية في سياق موجة  النقد الجديد خلال الستينيات من القرن العشرين. ويرمي النقد الموضوعاتي إلى استقراء التيمات الأساسية للعمل الأدبي ورصد الدلالات المتواترة والقيم المهيمنة التي تطبع المضمون بطابع مميز.
والموضوعاتية في النقد تعني "وصف عناصر الأثر بشكل يتفق مع وجوده في العالم الواقعي والخيال[1]." ويحدد ريشار معنى التيمة( Thème) بانها "مبدأ تنظيم ملموس ينتظم حوله عالم بكامله وينمو. فالتيمات الرئيسية لعمل أدبي، تلك التي تشكل معماره اللامرئي والتي يمكنها أن تمنحنا مفتاحه هي تلك التيمات التي نجدها باستمرار تتكرر في العمل بوتيرة ظاهرة واستثنائية. ويشير هذا التكرار إلى الهاجس الذي يتملك الكاتب"[2].وهكذا فإن لمفهوم الموضوعاتية دلالات عدة لغوية واصطلاحية، نفصلها في ما يلي:
من الناحية الاشتقاقية يعود مصطلح الموضوعاتية (Thématique) في اللغة الفرنسية إلى جذر (Thème ) ويعني الموضوع أو التيمة وهي تغطي عدة معاني مثل الغرض والمحور والفكرة الأساسية والبؤرة والنواة الدلالية[3]. فالمعنى اللغوي لمصطلح "الموضوعاتي" واسع ومتعدد ويصعب تحديده بدقة. وفي الحقل النقدي العربي استخدمت ألفاظ "الموضوعاتي" و"الموضوعاتية" و"الموضوعي" كما استخدمت لفظة 'تيمة" من قبل بعض النقاد وعليه فيمكن أخذ المصطلحين بنفس المعنى. يعرف الناقذ المغربي سعيد يقطين "التيمة" ( Thème) بأنها " الفكرة المتواترة في العمل الأدبي، وتستعمل أحيانا بمعنى الحافز الكثير التواتر. غير أن "التيمة" أكثر عمومية وتجريدا ...[4]". فالعمل الأدبي يتوفر على غرض عام ينتظم العمل بكامله  ويوحد العناصر  المكنة له ويمكن أن يتضمن أغراضا فرعية.فللغرض أو التيمة وظيفة أساسية تتمثل في توحيد المكونات الأساسية للنص حول غرض محدد. وبذلك يمكن اعتبار التيمة أو الغرض جذرا للدلالات والتفرعات التي يأخذها النص ويمكن ردها إليه كما يرى بعض النقاد. فالنقد الموضوعاتي يتناول اللأغراض والتيمات المتواترة في النص الأدبية ويتتبع تجلياتها وتشكلاتها والعلاقات الدلالية التي يتشكل منها العمل الأدبي في مجوعه والتي تعطيه وحدته وبنيته العقلية وتجعله قابلا للفهم والإدراك ويصمد للقراءة والنقد.
أما من ناحية الدلالة الاصطلاحية ف"تنبني المقاربة الموضوعاتية على استخلاص الفكرة العامة أو الرسالة المهيمنة أو الرهان المقصدي  أو الدلالة المهيمنة أو البنية الدالة التي تتمظهر في النص أو العمل الأدبي عبر النسق البنيوي وشبكاته التعبيرية تمطيطا وتوسيعا أو اختصارا وتكثيفا، والبحث أيضا عما يجسد وحدة النص العضوية والموضوعية اتساقا وانسجاما وتنظيما"[5]. فالمقاربة الموضوعاتية للعمل الأدبي تقتضي الانطلاق من القراءة الصغرى نحة القراءة الكبرى قصد التوصل إلى تحديد التيمات المهيمنة وتفكيك النص إلى حقول معجمية ورصد الكلمات المفتاحية والصور المتكررة وتحويل ما هو شاعري روحاني إلى وحدات دلالية ذات طبيعة حسية ملموسة. وحسب جميل حمداوي "يستلزم النقد الموضوعاتي قراءة نص واحد أو مجموعة من النصوص والأعمال الإبداعية التي كتبها الأديب المبدع، والبحث عن بنياتها الداخلية ومرتكزها البنيوي المهيمن، وجمع كل الاستنتاجات في بوتقة تركيبية متجانسة ومتضامة، واستقراء اللاشعور النصي عند المبدع، وربط صورة اللاوعي بصورة المبدع على المستوى البيوغرافي والشخصي"[6]. فالنقد الموضاعاتي يستند إلى البحث في البنى الدلالية للنص من أجل تحديد البؤرة الدلالية والنواة التي يتولد منها النص عن طريق البحث عن التيمات الأساسية  والبنيات الدلالية المحورية والموضوعات المتكررة  والصور المفصلة في النص الإبداعي؛
يتضمن مفهوم الموضوع عناصر محددة تشكل بعض المفاهيم الإجرائية التي يعتمد عليها النقد الموضوعاتي، ومنها:
المعنى : فالموضوع وحدة من وحدات المعنى؛
 الحسية : فالموضوع وحدة حسية؛
 العلاقة : الموضوع وحدة علائقية ، يتوسع بطريقة ما شبكية أو خيطي ؛
الاطرادية : تعد المقياس في تحديد الموضوعات ، فالموضوعات الكبرى لأي عمل أدبي  هي الموضوعات التي تشكل المعمارية غير المرئية لهذا العمل.

أنواع المقاربة الموضوعاتية
هناك العديد من أنواع المقاربة الموضوعاتية ولعل أهمها الموضوعاتية المضمونية والموضوعاتية البنيوية.





[1] بلوحي، (محمد )، النقد الموضوعاتي الأسس والمفاهيم ، انظر:
http://www.dorarr.ws/forum/showthread.php?t=12535
[2] Michel Collot, Le thème selon la critique thématique. In: Communications, 47, 1988.
[3]  حمداوي(جميل )، المقاربة الموضوعاتية في النقد الأدبي، انظر:
http://www.arabicnadwah.com/articles/muqaraba-hamadaoui.htm

[4] حمداوي، نفسه.
[5]  حمداوي، نفسه.
[6] حمداوي، نفسه.

ساهم في نشر الموضوع و لك جزيل الشكر!



Digg Technorati del.icio.us Stumbleupon Reddit Facebook Twitter

1 التعليقات:

بيان الإدريسي يقول...

شرح ممتع للمقاربة الموضوعاتية
شكرا

إرسال تعليق