البيات الصيفي




البيات الصيفي
من تهريج الشتاء وبهرج الربيع إلى نومة أهل الكهف

الدكتور عاشور فني

تدخل الدببة القطبية في بيات شتوي في انتظار الربيع. ها هو دب السياسة في الجزائر يدخل في بيات صيفي بعد ربيع كامل من التهريج والتهييج السياسي. كأن لم يكن في هذه البلاد حكم ومعارضة وفساد ومشروع إصلاح وانتخابات. كأن  الإدارة لم تفرخ 24 حزبا في حضنة واحدة. أين ذهب كل ذلك يا ترى؟ كان الفصول انقلبت رأسا على عقب. هاهو دب السياسة الجزائري يمارس البيات في الصيف وها هو الجمل يدخل في سم الخياط.


 لقد قيل إن الجزائر كانت في خطر  وغن هناك لحظة تاريخية حاسمة تنتظر الجزائريين وأن دولة الشهداء  في حاجة إلى مشاركة المواطنين جميعا لإنقاذ البلاد من دوامة الفوضى ومن حسابات التدخل الأجنبي. سمعنا كل ذلك ووعيناه. لكننا رأينا النتيجة: كارثة الانتخابات كانت أكبر من كارثة الفساد الذي كان يراد إصلاحه بل إن تلك الانتخابات كرست الفساد باعتباره أسلوبا في الحكم. بل أصبح الاحتجاج على نتائج الانتخابات تلك أولى وأسبق عند الفاعلين السياسيين -حكما ومعارضة- من مشروع الإصلاح نفسه.

ما يدعو إلى التأمل  هو أن الوضع المترتب عن  الإصلاح (أليست الانتخابات جزء من مشرع الإصلاح؟) أصبح أخطر من الوضع السابق للإصلاح. فهل هناك من يطالب الآن بمواصلة الإصلاح؟ لقد سبق أن نشرت على هذا الموقع أن الإصلاح لم يظهر كمطلب  عام يتبناه الفاعلون السياسيون بل هو إستراتيجية للحصول على نصيب أكبر من الفساد القائم. إن المطلب الحقيقي لكل طرف هو زيادة نصيبه من الفساد المعمم عن طريق الإصلاحات الجزئية لنظام الفساد هذا. ولذلك فنتيجة الانتخابات زادت من حصة البعض على حساب البعض الآخر وزادت من حدة الاحتجاجات بين المستفيدين من الفساد. لكن لا احد يطالب بالإصلاح حقيقة. هناك عدم رضا بالوضع القائم أو بالقسمة الحالية للمغنم: مغانم الفساد. وقد جاءت تصريحات الوزير الأول نفسها مؤيدة لطرحنا هذا. الفساد في الحكم وليس مجرد خلل في الأجهزة. وهو تصريح كشف تورط الجميع ولم يجرؤ أحد على الرد عليه: لا من داخل الحكم ولا من المعارضة.

 هكذا إذن: كلما تقدم مسار الإصلاح تأكد الفساد وزادت مخاطره على الحكم نفسه. وقد ترتبت عن تفاقم الفساد مع تقدم مسار الإصلاح نوع من الجمود الذي ينذر بالانفجار. من الداخل هذه لا من الخارج. بعد أن نجحت السلطة في تحجيم دائرة الاحتجاجات في الشارع وفي الأوساط الحزبية ها هي الآن تواجه نذر الانفجار من الداخل: داخل أحزاب السلطة وداخل مؤسسات الحكم.

السلطة الآن - بعد الانتخابات أعجز منها عما كانت عليه قبل الانتخابات. ذلك هو المغزى الحقيقي لهذا البيات الصيفي.  هذا العجز عن التغيير بعد أن تحقق الهدف الذي كان يصور على انه بعيد المنال( تنظيم انتخابات مقبولة دوليا لتفادي التدخل الأجنبي) هو مصدر كل المخاوف الآن: القوى الفاعلة داخل الحكم وفي محيطة أصبحت هي مصدر الجمود. لا تفتقد إلى الشرعية والمصداقية فقط ولكنها تفتقد إلى القدرة على التحرك أيضا. إستراتيجيتها الوحيدة: اللعب على عنصر الزمن لتفادي الانفجار  الان. فقط.
منذ عام ونيف دخل الجميع في بيات ربيعي في انتظار أن يمر الربيع العربي ثم دخلوا في موسم التهريج والتهييج السياسي لإنجاح الانتخابات وها هو موسم البيات الصيفي يغرق الدب السياسي في نومة أهل الكهف. كأنه يوم أو بعض يوم.

ساهم في نشر الموضوع و لك جزيل الشكر!



Digg Technorati del.icio.us Stumbleupon Reddit Facebook Twitter

0 التعليقات:

إرسال تعليق